[align=center]محمد المنيف
أصبحت مطلباً لدعم الساحة
الجماعات التشكيلية ظاهرة حضارية تحرِّك الساكن وتبعث روح المنافسة [/align]
لا يمكن أن نستعرض واقع الساحة التشكيلية المحلية دون الوقوف أو الحديث عن الجماعات التشكيلية، خصوصاً حينما يكون الحديث عنها بشفافية وصدق في كل ما يتعلق بها من السلبيات أو الإيجابيات، مع أن الإشارة إلى سابق حديث موجز عبر زاوية تلميحة ضمن صفحة الفنون التشكيلية في أعداد الجزيرة السابقة، إلا أن إمكانية الحديث بشكل موسع يجعلنا أكثر قرباً لواقع الجماعات لنتعرف على الكثير من الأمور، منها:
أسباب إنشاء تلك المجموعات، ومعرفة الأسس التي تقوم عليها، وكيف يتم التعامل بها مع كل خطوة جديدة تتم إضافتها لمسيرة الفن التشكيلي؟ وعلى ماذا تشتمل تلك المجموعات؟ وما مستوى التجانس بين أعضائها؟ وما هي الأهداف التي يسعى المنتمون إليها لتحقيقها؟ وهل الجماعات ظاهرة عابرة أو أنها مطلب للساحة؟ ولماذا كثرت تلك الجماعات في الفترة الأخيرة؟ وهل أسلوب تشكيلها يحقق الأهداف المرجوة منها؟ ولماذا فشل البعض منها؟ وهل نتوقع فشل البعض الآخر؟
تعزيز ودعم لمسيرة الفن التشكيلي
والواقع أننا لن نختلف على أن وجود الجماعات مطلب حضاري إذا كان الهدف منها دعم وتعزيز مسيرة الحركة التشكيلية المحلية مع ما نحمله من تخوف وترقب لما يمكن أن تؤول إليه بعضها من تراجع أو توقف شأنها شأن ما كان قبلها من المجموعات على المستوى العربي والعالمي، وما أصابها من فشل يعرفه مَن يقرأ التاريخ التشكيلي دون الوقوف إلا على القليل من أسبابه. ولهذا فإننا في هذه الإطلالة على واقع الجماعات التشكيلية التي بدأت في التواجد في فترات سابقة ولاحقة في ساحتنا المحلية وفي مختلف المناطق يُبعث فينا أمل يسبقه تساؤل: هل هي جادة في خطواتها؟ وهل أهدافها بالفعل حقيقية أم أن الأمر لا يتعدى الحضور الإعلامي فقط؟ أما الأهم في هذا وذاك فهو حجم الفائدة التي تعود بها تلك المجموعات أو الجماعات على أعضائها أولاً، ثم على الساحة التشكيلية.
ولن نكون متشائمين أو داعين للإحباط حينما نشكك في مستوى مصداقية بعض تلك المجموعات، وعذرنا في ذلك يُستدل عليه بتوقف بعضها أو انسحاب بعض أعضائها نتيجة لعدم فهم الكثير للكيفية التي يتم من خلالها تكوين المجموعة، ومنها التجانس الفكري وتقارب الخبرات والتجارب، لا أن تقوم المجموعة نتيجة لقاء عابر في مجلس أو مقهى يطرح فيه فكرة إقامة معرض للحضور لعدم قدرة البعض منهم على إقامة المعرض بشكل فردي، وهذا أبرز ما تقوم عليه الجماعات؛ بحثاً عن سبل الدعم الذاتي المشترك في ظل تراجع الدعم الرسمي ودعم القطاع الخاص، مع ما يبطنه البعض من اقتصار الفكرة على المنافسة مع الآخرين، ومع ما يتبعه من سلبيات في حال الخروج عن مساره الصحيح الأخلاقي عندما يخالف أدبيات وسمو أهداف المجال، مع أن هذا التصور أو التوجه ظهر جلياً في بعض المجموعات رغم محدوديته كاشفاً بذلك مقاصد بعيدة عن تحقيق الهدف الحقيقي المتمثل في خدمة الفن التشكيلي، والأخذ به بأسلوب التواجد والمشاركة، ودعمه وتعزيز حضوره في المشهد الثقافي المحلي والعربي، وأصبح بعض رؤساء تلك المجموعات قادة معارك مضادة للمجموعات الأخرى، إلى أن تحولت إلى شللية للهرج والمرج، فلم يعد يعرف أعضاؤها أي درب يسلكون، وأي هدف يحققون، دفعت بالمشاركين فيها إلى الحيرة فيمَن يرأسهم ومَن ينوب رئيسهم، وكيف توزع المهام في جو مشبع بالمجاملة الوقتية تتضح عيوبه بعد أن ينفض الجمع ليصبح التعامل بالإكراه غير المعلن والهمز واللمز بعد كل معرض يقام لأعضائها.
هذا القول أو تلك الحالات لا نعني بها مجموعة بعينها، وإنما نرصد حدوثه في البعض منها، ولو رجعنا لتاريخ تأسيس المجموعات عالمياً وعربياً لوجدنا أنه لا تقوم أو تتأسس أي مجموعة إلا بموجب آلية ومواصفات واضحة؛ كالاتفاق على أسلوب فني مشترك أو أن يكونوا من جيل واحد. ولنأخذ منها كمثال على المستوى العالمي جماعة المدرسة الانطباعية، وهي نهج فني وُلد في فرنسا، وأقامت أول معارضها عام 1874م في مشغل المصور الفوتوغرافي (نادار) بمشاركة ثلاثين فناناً. وقد أحدث المعرض موجة من النقد اللاذع من قِبَل نقاد الفن والجمهور. كما تعتبر جماعة باربيزون Barbizon التي تأسست عام 1860 في فرنسا، وتضم من بين أعضائها الفنانين جان فرانسوا ويتودور روسو وميليه، من الجماعات التي اهتمت بشكل خاص بالمنظر الطبيعي.
الجماعات في الوطن العربي
أما الجماعات في المنطقة العربية فنجد أن أكثرها تواجداً ونشاطاً وأقدمها تأسيساً هي التي نشأت في العراق ومصر. ولنا أن نذكر بعض منها، ففي العراق تأسست جماعة أصدقاء الفن عام 1941جمعية، وهي أول جماعة في هذا المضمار برئاسة أكرم شكري، إضافة إلى العديد من الجماعات، منها جماعة بغداد للفن الحديث التي أسسها الفنان والرائد التشكيلي العربي جواد سليم، وتُعنى بتوثيق الفنون الآشورية والسومرية والفنون الإسلامية والموروث الشعبي وبمضامين الأساطير والحكايات الشعبية. وفي عقد الخمسينيات ظهرت ثلاث جماعات تشكيلية بارزة كان ولا يزال أثرها كبيراً على الساحة التشكيلية العربية، وهي جماعة الرواد، ومن فنانيها البارزين خالد الجادر، وجماعة بغداد للفن الحديث، وجماعة الانطباعيين، وساهم في تأسيسها أسماء معروفة وكبيرة في الساحة العراقية والعربية، منهم الفنانون فائق حسن وجواد سليم وحافظ الدروبي.
أما في مصر، فقد بدأت العديد من الجماعات، إلا أن البعض منها لم يستمر. ففي عام 1928 تأسست جماعة الخيال برئاسة المثال محمود مختار، جاء بعدها جماعة هواة الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 1929، أما في عام 1932 فقد تم تأسيس المجمع المصري للفنون الجميلة برئاسة محمد صدقي الجباضنجي، ثم تكونت رابطة الفنانين المصريين في العام 1936، إلى أن وصلت الحركة إلى الأربعينيات لتظهر جماعة الفن والحرية وتضم أسماء ورواداً كباراً في التشكيل المصري، منهم فؤاد كامل ورمسيس يونان وجورج حنين، وصولاً إلى جماعة الفن الحديث في مصر التي تألفت من فنانين أيضاً لهم دورهم الكبير، منهم الفنان جمال السجيني وصلاح يسري ومحمد حامد عويس، وذلك عام 1948م. وفي عام 1950 قام مجموعة من الفنانين الرواد برئاسة وجيه بريقال ومحمد حسن وراغب عياد بتأسيس جماعة لاباليت. أما في العام 1953فقد تأسست أكثر المجموعات استمرارية وصموداً من بين الجماعات السابقة، وتحمل اسم جماعة أتيليه القاهرة حتى اليوم، التي أسسها الفنانان محمد ناجي وراغب عياد، وتمارس نشاطاً ثقافياً وفنياً أصبحت من خلاله معلماً إبداعياً عالمياً في وسط القاهرة.
أما في الكويت، فقد بدأت الحياة التشكيلية تعود إلى سابق عهدها عبر العديد من الفعاليات، في مقدمتها نشاط مجموعة الستة والمؤلفة من ستة أعضاء منتسبين إلى الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وهم جاسم بوحمد وحميد خزعل والدكتور عبد الله الحداد وعلي نعمان ومحمد الشيخ ومحمد البحيري.
وفي اليمن باعتبارها من الدول الحديثة العهد بالفنون التشكيلية ساهم عدد من فنانيها بتأسيس جماعة لنفس الأهداف التي تقوم عليها أغلب تلك الجماعات، خصوصاً في الدول ذات الأسبقية في هذا المجال مثل العراق ومصر وسوريا وبعض دول المغرب العربي والسودان وقليل من دول مجلس التعاون، فقد قام كل من الفنانين طلال النجار والدكتورة آمنة النصيري ومظهر نزار وريما قاسم بتأسيس تجمع فني أطلق عليه اسم (جماعة الفن المعاصر) أنشئوا محترفاً ومرسماً لممارسة الفن التشكيلي كانوا يهدفون منه إلي إيجاد حلول لتضييق الفجوة بين هذا الفن وبين الجمهور، إضافة إلى خدمة الفن التشكيلي والنهوض به في اليمن. وفي قطر هناك جماعة الفن والتراث، وتتألف من أربعة فنانين تشكيليين قطريين أعضاء بالجمعية القطرية للفنون التشكيلية، هدفهم الأساسي الحفاظ على التراث الشعبي وتسجيله من خلال أعمالهم التشكيلية وتوثيقها للأجيال الجديدة من أبناء الوطن وأبناء المنطقة والشعوب الأخرى
Bookmarks